فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {ن والقلم}.
قرأ الكسائي، ونافع، وعاصم في إحدى الروايتين بالإِدغام، والباقون بإظهار النون، وهما لغتان ومعناهما واحد.
قال ابن عباس: هي السمكة التي تحت الأرضين.
وروى الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أوّلُ ما خلق الله تعالى مِنْ شيْءٍ القلم فقال اكْتُبْ، قال بِما أكْتُبُ؟ قال: اكْتُبِ القدر فيجْرِي بِما هُو كائِنٌ إِلى قِيامِ السّاعةِ.
ثم خلق النون يعني: السمكة، فدحا الأرض عليها فارتفع بخار الماء، ففتق منه السموات، فاضطربت النون فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال.
وإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة.
وقال سعيد بن جبير، والحسن، وقتادة: النون: الدواة، وقال قتادة: الدواة والقلم: ما قام لله وبه لإصلاح عيش خلقه، والله يعلم ما يصلح خلقه.
ويقال: النون: افتتاح اسم الله تعالى، وهو النون.
ويقال: هو آخر اسمه من الرحمن، وهذا قسم أقسم الله تعالى بالنون والقلم، وجواب القسم {ما أنت بِنِعْمةِ ربّك بِمجْنُونٍ}، فذلك قوله: {نون}.
{والقلم وما يسْطُرُون} يكتُب الحفظة من أعمال بني آدم؛ ويقال: {وما يسْطُرُون} يعني: تكتب الحفظة في اللوح المحفوظ.
{ما أنت بِنِعْمةِ ربّك بِمجْنُونٍ} يعني: ما أنت بحمد الله تعالى بمجنون {وما أنت بِنِعْمةِ ربّك بِمجْنُونٍ} كما يزعمون، وذلك أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: {اقرأ باسم ربِّك الذي خلق} [العلق: 1] إلى قوله: {علّم الإنسان ما لمْ يعْلمْ} [العلق: 5] وعلمه جبريل الصلاة، فقال أهل مكة: جن محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي يفر من الشاعر والمجنون.
فلما نسبوه إلى الجنون، شق ذلك عليه، فنزل: {ما أنت بِنِعْمةِ ربّك بِمجْنُونٍ}.
ويقال: بل أنت رسول الله تعالى.
ثم قال: {وإِنّ لك لاجْرا غيْر ممْنُونٍ} يعني: غير مقطوع، ويقال: غير محسوب، ويقال: لا يمن عليك.
{وإِنّك لعلى خُلُقٍ عظِيمٍ} يعني: على خلق حسن؛ وقال مقاتل: يعني: على دين الإسلام، وقال عطية: يعني: على آدب القرآن.
ثم قال: {فستُبْصِرُ ويُبْصِرُون} يعني: سترى ويرون ويقال فستعلم ويعلمون {بِأيّكُمُ المفتون} يعني: إذا نزل بهم العذاب تعلمون أيكم المفتون، يعني: بأيكم المجنون ويقال الباء زيادة، ومعناه أيكم المفتون يعني أيكم المجنون، وقال قتادة: يعني: أيكم أولى بالسلطة، وقال أبو عبيدة: أيكم المجنون والباء زيادة، واحتج بقول القائل: نضرب بالسيف، ونرجو بالفرج يعني: نرجو الفرج.
ثم قال: {إِنّ ربّك هُو أعْلمُ بِمن ضلّ عن سبِيلِهِ} يعني: هو عالم بمن أخطأ الطريق عن دينه {وهُو أعْلمُ بالمهتدين} لدينه.
ثم قال: {فلا تُطِعِ المكذبين}، وذلك أنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه، فأمره الله تعالى أن يثبت على دينه، فقال: {لا تطعالمكذبين} بوحدانية الله تعالى.
{ودُّواْ لوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُون} قال مجاهد: ودوا لو تركن إليهم، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيميلون إليك.
وقال السدي: {ودُّواْ لوْ تكْفُرُون} وقال القتبي: ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم.
وكانوا أرادوا أن يعبدوا آلهتهم مدة، ويعبدون الله مدة.
ثم قال: {فيُدْهِنُون ولا تُطِعْ كُلّ حلاّفٍ مّهِينٍ} يعني: كذابا في دين الله والحلاف: مكثار الحلف، {مُّهِينٌ} ضعيف فاجر.
نزلت في الوليد بن المغيرة.
وقال القتبي: المهين: الحقير الدنيء، وقال الزجاج: وهو فعيل من المهانة، وهي القلة.
ومعناه في هذا الموضع: القلة في الرأي والتمييز.
ثم قال: {همّازٍ} يعني: الوليد بن المغيرة، طعّان، لعّان، مغتاب، {مّشّاء بِنمِيمٍ} يعني: يمشي بين الناس بالنميمة.
وقال القتبي: {همّازٍ} يعني: عياب ثم قال: {مّنّاعٍ لّلْخيْرِ} يعني: بخيلا لا ينتفع بماله لنفسه، وكان ينفق أمواله على غيره.
ويقال: معناه: {مّنّاعٍ لّلْخيْرِ} يعني: التوحيد، ويمنع الناس عن التوحيد.
{مُعْتدٍ} يعني: ظلوما لنفسه {أثِيمٍ} يعني: فاجرا.
قوله تعالى: {عُتُلٍ} يعني: شديد الخصومة بالباطل، ويقال: {عُتُلٍ} يعني: أكول شروب صحيح الجسم رحيب البطن.
{بعْد ذلِك} يعني: مع ذلك {زنِيمٍ} يعني: ملصق.
وقال ابن عباس: الزنيم: الدعي الملصق، ويستدل بقول القائل:
زنِيمٌ تداعاهُ الرِّجالُ زِيادة ** كما زِيد فِي عرْضِ الأدِيمِ الأكارِعُ

ويقال: الزنيم: الشديد الخلق.
وروى شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدْخُلُ الجنّة جوّاظٌ ولا جعْظرِيٌّ ولا العُتُلُّ الزّنِيمُ. قال: أمّا الجوّاظُ، فالّذِي جمع ومنع وتدْعُوهُ لظى نزاعة للشّوى» أيْ الشّدِيد الخُلُقِ رحِيب الجوْفِ.
وأمّا الجعْظرِيُّ، فالفظُّ الغلِيظُ، وأمّا العُتُلُّ الزّنِيمُ، صحِيحٌ أكُولٌ شرُوبٌ ظلُومٌ لِلنّاسِ، ويُقال الزّنِيمُ: الدّعِيُّ وذكر أنه لما نزلت هذه الآية، قال لأمه: إن محمدا لصادق، وأنه قال كذا وكذا، فأقرت والدته له بذلك.
ثم قال: {أن كان ذا مالٍ وبنِين} يعني: فلا تطعه وإن كان ذا مال وبنين، يعني: لا تطعه بسبب ماله.
ثم قال: {إِذا تتلى عليْهِ ءاياتنا} يعني: القرآن {قال أساطير الاولين} يعني: كذبهم وأباطيلهم.
وقال السدي: يعني: أساجيع الأولين.
ثم قال: {سنسِمُهُ على الخرطوم} يعني: سنضربه على الوجه، ويقال: سنسود وجهه يوم القيامة، ويقال: سنسمه على أنفه؛ وقال القتبي: للعرب في هذا مذاهب، يقولون للرجال إذا سبه سبة قبيحة، أو يثني عليه فاحشة: قد وسم ميسم سوء، يريد أنه ألصق به عارا لا يفارقه، كما أن السمة لا يعفو أثرها.
وقد وصف الله تعالى الوليد بالحلف، والمهانة، والمشي بالنميمة، والبخل، والظلم، والإثم، والدعوى، فألحق به العار لا يفارقه في الدنيا والآخرة.
قال: والذي يدل على هذا، ما روي، عن الشعبي في قوله: {عُتُلٍ بعْد ذلِك زنِيمٍ} يعني: القتل الشديد.
والزنيم: له زنمة من الشر، يعرف بها كما تعرف الشاة.
ثم قال: {إِنّا بلوناهم} يعني: اختبرنا أهل مكة بترك الاستثناء؛ ويقال: ابتليناهم بالجوع والشدة.
ثم قال: {كما بلوْنا أصحاب الجنة} يعني: أهل ضيروان، وهي قبيلة باليمن.
وروى أسباط، عن السدي قال: كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلا صالحا، وكان إذا بلغ ثماره فأتاه المساكين، فلم يمنعهم من دخولها، وأن يأكلوا منها، وأن يتزودوا فيها.
فلما مات أبوهم، قال بنوه بعضهم لبعض: على ما نعطي أموالنا هؤلاء المساكين؟ فقالوا: فلندع من يصرفها قبل أن يعلم المساكين.
ولم يستثنوا فانطلقوا وهم يتخافتون، ويقول بعضهم لبعض خفيا: أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فذلك قوله: {إِذْ أقْسمُواْ} يعني: حلفوا فيما بينهم.
{ليصْرِمُنّها مُصْبِحِين} يعني: ليُجدنّها وقت الصبح، أي: ليقطعنها قبل أن يخرج المساكين.
{ولا يسْتثْنُون} يعني: لم يقولوا: إن شاء الله تعالى.
وروي في الخبر: أن أباهم كان إذا أراد أن يصرم النخل، اجتمع هناك مساكين كثيرة.
وقد جعل له علامة، فكل ثمرة تسقط وراء العلامات، كانت للمساكين.
فكانوا يأخذون الثمر قدر ما يتزودون به أياما كثيرة.
فلما مات الرجل، قال بنوه فيما بينهم: إن أبانا كان عياله أقل، وحاجته أقل فصار عيالنا أكثر.
وحاجتنا أكثر فخرجوا بالليل، كي لا يشعر بهم المساكين، فاحترقت نخيلهم في تلك الليلة، فذلك قوله: {فطاف عليْها طائِفٌ} يعني: بعث الله تعالى نارا على حديقتهم بالليل.
والطائف: الذي أتاك ليلا فأحرقها وهم نائمون.
{مِّن رّبّك وهُمْ نائِمُون فأصْبحتْ كالصريم} يعني: صارت الحديقة كالليل المظلم.
وقال القتبي: الصريم: من أسماء الأضداد.
يسمى الليل صريما، والصبح صريما، لأن الليل ينصرم عن النهار، والنهار ينصرم عن الليل.
ويقال: الصريم يعني: ذهب ما فيها، فكأنه صرم أي قطع وجز.
ثم قال: {فتنادوْاْ مُصْبِحِين} يعني: نادى بعضهم لبعض {أنِ اغدوا على حرْثِكُمْ} يعني: اخرجوا بالغداة جذوا زروعكم وصرام نخيلكم.
{إِن كُنتُمْ صارمين} يعني: إن أردتم أن تصرموها قبل أن يحضرها المساكين.
{فانطلقوا} يعني: ذهبوا إِلى نخيلهم، {وهُمْ يتخافتون} يعني: يتشاورون فيما بينهم بكلام خفي: {أن لاّ يدْخُلنّها اليوم عليْكُمْ مّسْكِينٌ وغدوْاْ على حرْدٍ} قال مقاتل: يعني: على جد في أنفسهم.
{قادرين} على جنتهم؛ وقال الزجاج: معناه على قصد، وقال القتبي: الحرد المنع، ويقال: الحرد القصد قادرين واجدين؛ ويقال: على قوة ونشاط، ويقال: على طريق جنتهم، ويقال: الحرد اسم تلك الجنة.
{فلمّا رأوْها} يعني: أتوها ورأوها مسودة، أنكروها.
{قالواْ إِنّا لضالُّون} يعني: أخطأنا الطريق، وليست هذه جنتنا.
فلما تفحصوا وعلموا أنها جنتهم وأنها عقوبة لهم، فقالوا: {بلْ نحْنُ محْرُومُون} يعني: حُرِمْنا منفعتها.
{قال أوْسطُهُمْ} يعني: أعدلهم وأعقلهم: {ألمْ أقُلْ لّكُمْ لوْلا تُسبّحُون} يعني: هلا تستثنون في أيمانكم.
ويقال: كان استثناؤهم التسبيح يعني: لولا قلتم سبحان الله.
فندموا على فعلهم.
{قالواْ سبحان ربّنا} يعني: نزهوه وعظموه تائبين عن ذنوبهم، ويقال: نستغفر ربنا.
{إِنّا كُنّا ظالمين} يعني: ضارين بأنفسنا بمنعنا المساكين.
{فأقْبل بعْضُهُمْ على بعْضٍ يتلاومون} يعني: جعل يلوم بعضهم بعضا لصنيعهم ذلك، ثم {قالواْ} بأجمعهم: {قالواْ ياويلنا إِنّا كُنّا طاغين} يعني: عاصين بمنعنا المساكين.
ثم قالوا: {عسى ربُّنا أن يُبْدِلنا خيْرا مّنْها} يعني: يعوضنا خيرا منها في الجنة.
{إِنّا إلى ربّنا راغبون} يعني: راجين مما عنده.
قال الله تعالى: {كذلِك العذاب} يعني: هكذا عذاب الدنيا لمن منع حق الله تعالى.
{ولعذابُ الآخرة أكْبرُ} لمن لم يتب ولم يرجع عن ذنبه.
ويقال: هكذا العذاب في الدنيا لأهل مكة بالجوع، ولعذاب الآخرة أعظم.
{لوْ كانُواْ يعْلمُون} يعني: لو كانوا يفقهون.
ويقال: لو كانوا يصدقون، ثم ذكر ما للمتقين من الثواب.
فقال عز وجل: {إِنّ لّلْمُتّقِين عِنْد ربّهِمْ} يعني: في الآخرة {جنات النعيم}.
فلما ذكر الله تعالى نعيم الجنة، قال عتبة بن ربيعة: إن كان كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لنا في الآخرة أكثر ما للمسلمين، لأن فضلنا وشرفنا أكثر، فنزل: {أفنجْعلُ المسلمين كالمجرمين} يعني: لا يكون حال المسلمين في الهوان والذل كالمشركين.
{ما لكُمْ كيْف تحْكُمُون} يعني: ويْحكم كيف تقضون بالجوْر؟ {أمْ لكُمْ كتاب فِيهِ تدْرُسُون}؟ يعني: ألكم كتاب تقرؤون فيه؟ {إِنّ لكُمْ فِيهِ لما تخيّرُون} يعني: في الكتاب مما تتمنون.
{أمْ لكُمْ أيمان عليْنا بالغة}؟ يعني: ألكم عهد عندنا وثيق؟ {إلى يوْمِ القيامة}.
يعني: في يوم القيامة.
{إِنّ لكُمْ لما تحْكُمُون} يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.
قوله تعالى: {سلْهُمْ أيُّهُم بذلك زعِيمٌ} يعني: أيهم كفيل لهم بذلك؟ ثم قال: {أمْ لهُمْ شُركاء}؟ يعني: شهداء يشهدون أن الذي قالوا لهم حق.
{فلْيأتُواْ بِشُركائِهِمْ إِن كانُواْ صادقين} يعني: يشهدون أن لهم في الآخرة ما للمسلمين، فهذا كله لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر واليأس، يعني: ليس لهم ذلك.
قوله تعالى: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ} يعني: اذكر ذلك اليوم.
ويقال: معناه إن الثواب والعقاب.
الذي ذكر، في يوم يكشف عن ساق.
قال ابن عباس: يعني: يظهر قيام الساعة.
وروى سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن ابن عباس قال: {عن ساقٍ} يعني: عن أمر عظيم، وقال مجاهد: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ} عن بلاء عظيم، وقال قتادة: يكشف الأمر عن شدة الأمر.
{ويُدْعوْن إِلى السجود فلا يسْتطِيعُون} قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا ابن منيع: حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمارة القرشي، عن أبي بردة بن أبي موسى قال: حدثنا أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان يوْمُ القِيامةِ مُثِّل لِكُلِّ قوْمٍ ما كانُوا يعْبُدُون فِي الدُّنْيا، فذهب كُلُّ قوْمٍ إلى ما كانُوا يعْبُدُون فِي الدُّنْيا، ويبْقى أهْلُ التّوْحِيدِ فِيُقال لهُمْ: كِيْف بقِيْتُمْ، وقدْ ذهب النّاسُ؟ فيقولون: إنّ لنا ربّا كُنّا نعْبُدُهُ فِي الدُّنْيا ولمْ نرهُ قال أو تعْرِفُونهُ إِذا رأيْتُمُوهُ؟ فيقولون: نعمْ.
فيُقال لهُمْ: وكيْف تعْرِفُونه ولمْ تروْهُ؟ قالوا: لا شبه لهُ.
فيُكْشفُ لهُمُ الحِجابُ، فينْظُرُون إلى الله تعالى، فيخرُّون لهُ سُجّدا، ويبْقى أقْوامٌ ظُهُورُهُمْ مِثْل صِياصِي البقرِ، فيُرِيدُون السُّجُود فلا يسْتطِيعُون.
فيقول الله تعالى عِبادِي ارْفعُوا رُؤُوسكُمْ، قدْ جعلْتُ بدل كُلِّ رجُلٍ مِنْكُمْ رجُلا مِن اليهُودِ والنّصارى فِي النّارِ»
.
قال أبو بردة: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز، فقال: والله الذي لا إله إلا هو، أحدثك أبوك بهذا الحديث؟ فحلفت له ثلاثة أيمان، فقال عمر: ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إلي من هذا الحديث.
وقال القتبي: {يوْم يُكْشفُ عن ساقٍ} هذا من الاستعارة، فسمى الشدة ساقا، لأن الرجل إذا وقع في الشدة، شمّر عن ساقه، فاستعيرت في موضع الشدة.
ويقال: يكشف ما كان خفيا.
ويقال: يبدؤون عن أمر شديد، وهو عذاب عظيم يوم القيامة.
ثم قال عز وجل: {خاشعة أبصارهم} يعني: ذليلة أبصارهم، {ترْهقُهُمْ ذِلّةٌ} يعني: تغشاهم وتعلوهم كآبة وكشوف وسواد؛ وذلك أن المسلمين، إذا رفعوا رؤوسهم من السجود، صارت وجوههم بيضاء كالثلج.
فلما نظر اليهود والنصارى والمنافقون، وهم عجزوا عن السجود، حزنوا واغتموا فسودت وجوههم.
ثم بيّن المعنى الذي عجزهم عن السجود، فقال: {وقدْ كانُواْ يُدْعوْن إِلى السجود وهُمْ سالمون} يعني: يدعون إلى السجود في الدنيا وهم أصحاء معافون، فلم يسجدوا.
ثم قال عز وجل: {فذرْنِى ومن يُكذّبُ بهذا الحديث} يعني: دع هؤلاء الذين لا يؤمنون بالقرآن.
ويقال: فوض أمرهم إليّ، فإني قادر على أخذهم متى شئت.
{سنسْتدْرِجُهُم} يعني: سنأخذهم وسنأتيهم بالعذاب.
{مّنْ حيْثُ لا يعْلمُون} يعني: نذيقهم من العذاب درجة، من حيث لا يعلمون أن العذاب نازل بهم.
وأصله في اللغة من الارتقاء في الدرجة.
وقال السدي: كلما جددوا معصية، جدد لهم نعمة وأنساهم شكرها، فذلك الاستدراج.
{وأُمْلِى لهُمْ} يعني: أمهل لهم وأؤجل لهم إلى وقت.
{إِنّ كيْدِى متِينٌ} يعني: عقوبتي شديدة إذا نزلت بهم لا يقدرون على دفعها.
ثم قال: {أمْ تسْئلُهُمْ أجْرا}؟ يعني: أتسألهم على الإيمان جملا؟ {فهُم مّن مّغْرمٍ مُّثْقلُون} يعني: لأجل الغرم يمتنعون.
وهذا يرجع إلى قوله: {أمْ لكُمْ كتاب فِيهِ تدْرُسُون}.
ثم قال: {أمْ عِندهُمُ الغيب}؟ يعني: اللوح المحفوظ.
{فهُمْ يكْتُبُون} يعني: ما يقولون.
ثم قال عز وجل: {فاصبر لِحُكْمِ ربّك} يعني: على ما أمر ربك ولقضاء ربك.
{ولا تكُن كصاحب الحوت} يعني: لا تكن في قلة الصبر والضجر مثل يونس عليه السلام {إِذْ نادى وهُو مكْظُومٌ} يعني: مكروبا في بطن الحوت، وقال الزجاج: {مكْظُومٌ} أي مملوء غما.
{لّوْلا أن تداركهُ نِعْمةٌ مّن رّبّهِ} يعني: لولا النعمة والرحمة التي أدركته من الله تعالى، {لنُبِذ بالعراء} يعني: لطرح بالصحراء.
والصحراء هي الأرض التي لا يكون فيها نخل ولا شجر، يوارى فيها {وهُو مذْمُومٌ} يعني: يذم ويلام.
ولكن كان رحمة من الله تعالى، حيث نبذ بالعراء وهو سقيم وليس بمذموم.
قوله تعالى: {فاجتباه ربُّهُ} يعني: اختاره ربه للنبوة، {فجعلهُ مِن الصالحين} يعني: من المرسلين، كقوله: {وإِنّ يُونُس لمِن المرسلين}.
ثم قال عز وجل: {وإِن يكادُ الذين كفرُواْ} يعني: أراد الذين كفروا.
{ليُزْلِقُونك بأبصارهم} يعني: ليرهقونك بأبصارهم إن قدروا على ذلك.
ويقال: معناه إذا قرأت القرآن، فينظرون إليك نظرا شديدا بالعداوة، يكاد يزلقك أي: بالعداوة يسقطك من شدة النظر.
وذكر عن الفراء أنه قال: {ليُزْلِقُونك بأبصارهم} يعني: يعتانونك يعني: يصيبونك بعيونهم.
وذلك أن رجلا من العرب، كان إذا أراد أن يعتان شيئا، يقبل على طريق الإبل إذا صدرت عن الماء، فيصيب منها ما أراد بعينه، فأرادوا أن يصيبوا النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الكلبي: {ليُزْلِقُونك} يعني: ليصرعونك.
{لمّا سمِعُواْ الذكر} يعني: قراءتك القرآن، {ويقولون إِنّهُ لمجْنُونٌ وما هُو إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعالمِين} يعني: ما هذا القرآن إلاّ عظة للجن والإنس؛ ويقال: عز وشرف للعالمين.
قرأ حمزة، وعاصم في رواية أبي بكر: {أن كان ذا مالٍ وبنِين} بهمزتين، والباقون بهمزة واحدة، إلا ابن عامر، فإنه يقرأ {إِن كان} بالمد.
فمن قرأ بهمزتين، فالألف الأولى للاستفهام، والثانية ألف إن.
ومن قرأ بهمزة واحدة معناه: لأن كان ذا مال أي: لا تطعه لماله وتحمل لأن كان ذا مال قال: أساطير الأولين.
قرأ نافع: {ليُزْلِقُونك} بنصب الياء، والباقون بالضم؛ وهما لغتان، ومعناهما واحد؛ والله أعلم بالصواب. اهـ.